خطبة جمعة يمارس فيها الخطيب صراخًا طائفيًّا معلنًا أن حرب السعودية وحلفائها حربٌ ضد الشيعة، في نفس الوقت ميليشات الحشد الشعبي العراقية تمارس أعمال النهب والحرق والقتل في تكريت بعد أن تبادلوا مع داعش المواقع .
فالفتنة الطائفية قائمة، ومشتعلة في العديد من مناطق عالمنا الإسلامي، وليست بحاجة إلى من يؤجج الفتنة أكثر، وينفخ في نارها أكثر لأجل مزيد من القتل والدماء والتشريد والسجون والتعذيب ورغبات انتقام متبادل لا تنتهي، تحرق فينا الأخضر واليابس، وتقتل الضمائر، ويتوحش فيه المسلم (المُكَفِر والمُكَفَّر) في مواجهات لا تنتهي.
والدولة تلجأ للحرب كوظيفة سياسية ووطنية وليست حربًا طائفية، فإذا كنت يا من تزعم أنها حربٌ ضد الشيعة فأرِنَا شجاعتك واذهب للقتال ضد شيعة حزب الله في سوريا، فإذا كنت لا تجيد سوى الصراخ من على المنابر والشبكات الاجتماعية وغيرها فلا تتحدث عن الحرب الطائفية في اليمن؛ فالحرب في اليمن ليست كذلك وإنما هي حرب مصالح ما علمنا منها وما لم نعلم، ما ظهر لنا منها وما لم يظهر، اختلفنا سنة وشيعة معها او اتفقنا، لا ينفي ذلك أن إيران الفارسية توظف الطائفية لأجل مصالحها، ولكن ما حدث ويحدث في اليمن هو تحالف لأجل مصالح سياسية وتمدد إيراني لأجل نفوذها، وَمَنْ أَخَلَّ بتوازنات القوى في اليمن هو علي صالح المدعوم خليجياً (سابقاً) لغرض الانتقام من ثورة الشعب اليمني ، اما الحراك الجنوبي (وهو ليس شيعيًّا) سبق وأن صرح بتعاونه مع إيران بعدما تخلت عنه الدول العربية والخليجية (حسب تصريح أحد نشطاء الحراك) (1) ، والمقاومة الفلسطينية (حماس) في غزة تتعاون مع إيران وهي سنية، وإيران تدعمها ليس لأجل فلسطين أو حبًّا في الفلسطينيين ولكنه فراغ تركه العرب فانتهزت إيران الفرصة لتدعيم نفوذها وإسناد ضغوطها على الغرب.
كثير من الخطابات لِنُخَبٍ دينية وثقافية من كلا الطرفين تخاطب هيجان الجماهير لا عقولَهم، وتخاطب عواطفَهم لا ضمائرَهم، ولو أن بيت أحدهم يجول حوله خطر المهتاجين طائفيًّا والمشبعين برغبات القتل والانتقام الذي لا يرحم هل سوف يجرؤ على أن يمارس نفس الصراخ لأجل المزيد من التحريض الطائفي وتأجيج الفتنة والنهب والحرق والقتل؟ أم أنه سوف يصمت لأجل أن يجنب نفسه وأسرته ذلك؟ ففي كل مكانٍ مَنْ لا يَقِلُّ عنه جنونًا اللهم إلا أن جنونه صراخ وتحريض، والمجنون الآخر نهبًا وحرقًا وقتلًا، وكأن كل سني هو صدام أو مسؤول عن جرائم صدام، وكأن السنة لم يكونوا كذلك من ضحاياه، وكأن كل شيعي بالضرورة يكره السنة أو يدعو لقتلهم، أو كأن كل واحد منهم مسؤول عن جرائم بشار وحزب الله.
أيها المهتاجون طائفيًّا وترغبون في دفع الجماهير لهذا الهيجان لو كان حقًّا لديكم قليلُ وطنيةٍ فلا تثيروا الطائفية وقت الحرب بالذات، والسعودية والمنطقة حولنا وبعض الدول الداعمة تعاني من إشكالات الطائفية ولا ترغب في المزيد، لا سيما لو قررت بعض تلك الدول الدخول في التحالف(2) في اليمن يوجد تحالف مصالح مع إيران التي تتحالف مع أي أحد يخدم مصالحها وأغراضَ هيمنتها بِغَضِّ النظر عن مقاصده وأهدافه، ولكنها ليست حربًا طائفية كما تحلمون وتأملون أن يحدث في اليمن؛ فاليمن وعلى لسان كثير من أهله عصِيٌّ بإذن الله على الغرق في حرب طائفية.
كلا الطرفين السني والشيعي يملك من يجيد النفخ في نيران طائفية اشتعلت في بعض المناطق أو توشك على الاشتعال في اخرى، ويُرَى فيها بشرٌ يُحرَقون وأُسَر تُشَرَّد ومآس تدمي القلب وأنظمة هنا وهناك توظف المعارك الطائفية لأجلها وضد كافة المجتمعات، لا يهم ما إذا ما كانوا سنة أو شيعة، فهل تفكر احدهم ماذا لو ذاق ولو لمرة واحدة ما نفخه في هذه النار عندما توضع يده في نفس النار، أو يشتعل بها يومًا بيتُه، أو تُشَرَّدُ أسرته، أو يفقد أسيرًا قذفته خطابات التحريض في لُجَجِ المعارك ثم الأسر وعذاباته، يعيشها كل لحظة ومعه أفراد أسرته، فمتى يدرك كثيرون خطورة ومآلات الطائفية.
الخطابات الطائفية أيًّا كانت مبرراتها قبل وخلال وبعد الحرب (التي نتمنى أن تنتهي قريبًا) سوف تظل قائمة، والخلاف السني الشيعي سوف يظل قائمًا، ولكن سوف تظل مجتمعاتنات تحتاج دومًا إلى مواقف العقلاء وتضامنهم ضد الخطابات الطائفية بكافة أنواعها، خطابات واقعية تدعو لقبول التعايش وليس بالضرورة قبول العقائد، … ضرورة التعايش السلمي، وليس ضرورة قبول تفكير الآخر، العيش بسلام للجميع، وليس بالضرورة محبة المخالف، الإنصاف لأجلنا جميعًا، ولأجل السلام وليس لأجل طائفة دون أخرى، أو الانتصار لنخب عبثت بعقول الناس، أو أنظمة حكم فاسدة تمارس بين مجتمعاتنا وداخلها سياسات فَرِّقْ تَسُدْ.
دعوة للعقلاء وللمنصفين من شيعة وسنة للتضامن ضد كافة خطابات التحريض الطائفي لأجل أن يواصل الإنسان عيشه لأجل لقمة عيشه، وليس لأن يكون أداة قتال أو قتل لأجل من يتمنون اشتعال المنطقة بالطائفية أو أن يجد رجل الأمن الذي وظيفته حماية أمن الجميع ضحية رصاص احد ابناء وطنه لاسباب طائفية او تصبح وظيفته مطاردة ابناء وطنه لاسباب طائفية.
(1) قناة الجزيرة – برنامج في العمق (تقديم علي الظفيري) بثته الجزيرة من اليمن حول الحراك الجنوبي
(2) خلال نقاش البرلمان الباكستاني حول الدخول في الحرب من عدمه ضمن الحجج المعترضين على الدخول في التحالف كانت المخاوف من الانعاكاسات على الوضع الطائفي في باكستان والذي يشهد توترات مستمرة