مدونة عبدالرحمن الكنهل

Search

نقاط الالتقاء والاختلاف وهمومنا المشتركة

نُشرت بتاريخ 29 مايو 2010 

من الأشياء المقلقة في عالمنا العربي، واليوم أكثر في المشهد السعودي، هي تركيز كثير من المثقفين والمهتمين بالشأن العام والفاعلين على نقاط الاختلاف على حساب نقاط الالتقاء.

سواء كانوا تيارات أو أشخاصًا، يضع الكثير منهم تلقائيًّا مجموعة شروط لقبول الآخر تتعلق بالآراء والمواقف سواء فكرية أم ثقافية أم سياسية أم غيرها.

منذ أن خلق الله البشرَ والاختلافُ بينهم موجود، كما أنه توجد بينهم نقاط التقاء ووحدة المصلحة، ولكن الاختلاف يبرز أكثر فينشغل به المثقفون والفاعلون في المجتمع، ويشغلون أحيانًا معهم المجتمع على حساب قضايا جوهرية أخرى يلتقون حولها وتمثل وحدة مصالحهم.

فكان هذا الاتجاه للمختلف حوله والتركيز عليه والانشغال به أحد الأسباب في تراجع مجتمعاتنا العربية بسبب أن هذه الحالة كانت سببًا جوهريًّا في إهمال كثير من قضايا وطنية ومجتمعية يلتقي فيها الجميع وتشكل وحدة مصلحتهم وحقوقهم وحقوق مجتمعهم بسبب الانشغال بالاختلافات.

يحرم المجتمع من تضافر الجهود ووحدتها بين عناصر مجتمعية مهمة كونها مثقفة أو فاعلة في المجتمع بسبب حالة النفور، أو موقف الرفض من طرف تجاه آخر بسبب الاختلافات، حتى ولو كانوا متفقين تمامًا حول قضايا وطنية واجتماعية قد تكون الحاجة ماسة إلى تضافر الجهود حولها، وتبادل الخبرات ودعم كل طرف للآخَر.

لقد أسهمت بعض بِنَى الفكر المتشدد ومنهجياته في خلق حالة من التحفز تجاه الآخر تشكلت معها مواقف الرفض والنفور -وأحيانًا الكراهية والعداوة-، فتحولت كثير من المواقف إلى خصومة تستنفد العقول والمشاعر والوقت والجهد.

كثيرون يعتقد أن موقف الخصومة أو النفور أو على الأقل العزوف عن التفاعل تجاه القضايا المشتركة هو موقف طبيعي يجب اللجوء إليه بحكم ما تعوَّد عليه الإنسان ومالت إليه نفسه، من غير محاولة تفكير عقلانية. إن ظروف اليوم وواقعه وتحدياته تتطلب قدرًا أكبر من المسؤولية تجاه القضايا التي نشترك فيها جميعًا.

سوف يظل البشر داخل مجتمع واحد يشكلون تيارات متباينة ومجموعات أفراد يتباينون ويتناقضون في مواقفهم تجاه قضايا دينية ومذهبية وفكرية وثقافية، وسوف تظل في الوقت ذاته قضايا وطنية واجتماعية مشتركة قائمة مثل قضايا الفساد والمحسوبيات والفقر وخدمات التعليم والصحة والأمن والعدالة وغيرها من كثير من القضايا.

وأمام هذا الوضع يوجد إما خيار استمرار موقف ومشاعر الخصومة والقطيعة مع الآخر بسبب نقاط الاختلاف، أو خيار أكثر عقلانية وأكثر حسًّا للمسؤولية بمد جسور التواصل مع الآخر والتضامن معه في المشتركات، مع الحق في الاحتفاظ بالمواقف الشخصية تجاه المختلف قائمًا لكن بدون عداء أو قطيعة تنعكس على الصالح العام.

إن المحاولات المستميتة لتركيز نقاشات وحوارات حول الأمور المختلف حولها عندما لا يتعلق حسمها بمصلحة المجموع بل هي موقف ديني أو فكري مختلف عن الآخر يُسْهِم في هدر الجهود وإشغال المهتمين والمجتمع عن قضايا جوهرية وهموم مشتركة ومشكلات تتفاقم، ولذا تبرز هنا أهمية تعزيز مفاهيم التعايش مع الآخر والتعايش السلمي.

guest

0 Comments
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
Send this to a friend