مدونة عبدالرحمن الكنهل

Search

مديرو المحسوبيات، ظلمات فوقها ظلمات

 هكذا تتم الأمور أحياناً، فقطعان الفاشلين هم من يتولون المناصب القيادية وصولاً إلى مدير إدارة وأعلى، بل ومناصب تنفيذية حساسة تجعل كل من يشاهد ما يحدث في حالة من الذهول.
فتجد أحدهم منذ أول منصب حصل عليه، وما تلاه من ترقيات لمناصب أعلى لم يخض فيها، ولو مرة واحدة مفاضلة وظيفية (مسابقة وظيفية) لأنه يعلم جيداً أنه مجرد شخص فاشل، بقدرات وإمكانيات محدودة على مستوى المعرفة والعقلية والتفكير والثقافة ليعيش موظفاً، ويموت موظفاً دون أن يحلم بأي منصب قيادي لولا الوساطات والمحسوبيات.
لم يشعر يوماً بمذاق النجاح مهما حصل عليه من ترقيات لأنه لم يحصل على منصب قيادي قط بجهده وقدراته كما يفعل الآخرون، لذا، يعيش في داخله شعور دائم بالضعف والانهزام.
ولأنه فاشل، فإنه ينتقل من منصب إلى أعلى، دون أن يحقق أي منجز لو يسير على الأقل يضيف للمنشأة شيئاً ذوي قيمة، ويضيف لنفسه لو أمراً يسيراً من القيمة، ولكن هذه هي إمكانياته، وهذه هي قدراته، ثم أنه لا يفكر إلا في مصالحه ومصالح من حوله والأهم من أوصلوه لتلك المناصب والجميع يعلم يقيناً أنه لا يستحق حتى أن يكون حارساً على حظيرة دجاج.
أحدهم في أول منصب قيادي له، شارك زملاؤه في المفاضلة، ولكن في أول اختبار من اختبارات هذه المفاضلة لم يحقق النتيجة المطلوبة لمواصلة باقي الاختبارات حيث حصل على أقل من الحد الأدنى لاجتياز الاختبار (60 درجة) 60، فتدخل مديره الفاشل هو الآخر والفاسد، واستخدم علاقته مع مسؤول تنفيذي فاسد كذلك لتعديل الحد الأدنى لاجتياز الاختبار من 60 إلى 50 درجة، لأن هذا الذي أخفق من المقربين له وأشدهم ولاء له، أما باقي ترقياته، فقد تمت بطرق مبنية على الوساطات والمحسوبيات.
تتحول المسألة إلى ما يشبه شبكة فساد عميقة ضاربة بجذورها في المنشأة، الفاشلين هم من يصعدون على نحو متتال، دون أن يقدموا أي شيء للمنشأة عدا خدمة المصالح الشخصية وإذلال النفس للآخرين، وتوهمهم بأن على الجميع يذلون أنفسهم لهم كما فعلوا بأنفسهم.
كل واحد منهم أصبح محملاً بأفضال غيره ممن ساعدوه في الترقيات غير المستحقة، وهنا يزداد الأمر سوءاً، ويزداد الفساد أكثر مع يستتبعه من ظلم للآخرين وأضرار بمصلحة العمل وتبعاً لذلك يلحق الضرر بالعملاء الذين يحصلون على خدمة أسوأ نتيجة بيئة عمل أفسدها هؤلاء.
فكل شخص منهم لديه موظفون أما من أقاربه أو أي من معارفه أو موظفين تربطهم بهم مصالح شخصية، فتصدر التوصيات من أصحاب الأفضال والمنة بتمييز موظف عن الآخرين بنقله إلى قسم مريح لا يتطلب عملاً كثيراً، أو التغاضي عن أوجه القصور لديه خلافاً لما يتم مع غيره من زملائه، بل ووصل الأمر إلى تكريم الموظفين المميزين للعام، دون أن يكون للعديد منهم أي استحقاق لهذا التكريم، وينتج من ذلك أحاسيس الحيرة والضيق والألم النفسي الذي يطول الموظفين الذين يستحقون فعلاً التكريم، وحرموا إياه، بسبب هؤلاء.
قطعان المدراء الفاشلين مديرو الوساطات والمحسوبيات الولاء لديهم للمنشأة معدوم كلياً، فهم محملون بأفضال من جعلوهم يتصدرون مواقع قيادية لا يستحقونها فالولاء كل الولاء لهم، يصل الأمر أحياناً إلى أن يكون الحديث عن هذه الولاءات مفضوحاً ومكشوفاً، وهم واثقون تماماً أنهم على حق، وهكذا يجب على الجميع أن يكون الولاء لهم، ويصل الأمر أحياناً، وفي غياب تام للضمير وللمهنية ولأخلاقيات العمل إلى أن من قرر أن يكون ولاؤه للمنشأة ولمصالحها وحقوق الموظفين وخدمة العملاء يصبح من وجهة نظرهم المعوجة خصماً لهم، فيتعرض للمضايقات ومحاولات تهميشه، بل وتلفيق التهم لتشويه سمعته ومحاولة إبعاده عن فرص الترقي لمناصب أعلى، فهذا النوع المخلص في عمله لا يناسب المناخات التنظيمية التي باتت قائمة على تعزيز الولاءات للمديرين الفاسدين.
هذا جانب، وثمة جانب آخر مظلم في مثل تلك البيئات أن هؤلاء مهما وصلوا إليه من مناصب، إلا أنهم يظلون محملين بعقد النقص المركبة تدفعهم إلى ارتكاب مختلف السلوكيات العدائية المضرة لكل ناجح ومتمكن في عمله، وحصل على ترقياته بقدراته وإمكانياته، فيشعرون تارة بالغيرة منه، ويخشون أحياناً أن ينافسهم في المناصب الوظيفية أو أن ينافس آخرين ضمن دائرتهم، لهذا تتم أحياناً معارك ممنهجة ضدهم ومحاولات تشويه سمعتهم، بل قد يصل الأمر إلى تلفيق الاتهامات الباطلة والعقوبات الجائرة، فلا يجد أحدهم سوى القضاء الإداري المنقذ من هذا الظلم والجور، والجرأة على فعل ما فعلوه، وهم واثقون أن الفساد يبدأ من قمة الهرم الإداري فلولا دعمه لهذا الجور أو تواطؤه معه لما تجرؤوا على الانحدار لهذا المستوى من الرداءة وانعدام القيم والأخلاق وغياب الضمير.
قد يختارون مديراً ليس في الأساس ضمن منظومة الفساد والشللية، ولكنه شخص كما يقول المثل الشعبي (دابة سليمة) فهذه الدابة كل يضع خطامه على أنفه، فيلبي كل ما يطلب منه عدلاً كان أو جوراً، لا يهمه من قريب، ولا من بعيد مصلحة العمل، ولا حقوق الموظفين، ولا خدمة العملاء، ولا محاولات فهم لإستراتيجيات المنشأة ليعمل بموجبها، ولا يهتم بأي تطوير، ويخشى التغيير، لأنه شخص غير قادر على اتخاذ القرارات، فيمضي سنوات تكليفه بالإدارة، وكل همه إرضاء الفاسدين، ولو ادعى مخافة الله، فأنه يجد لنفسه الأعذار بألا يكون قائداً حقيقاً مكتفياً بحصوله على ما لم يحلم بالحصول عليه لولا أن اختيار بعض القادة والمدراء لا يتم بناء على الجدارة والكفاءة بل الشللية أو إذا لزم أحداً من خارجها فمعدوم الشخصية يبقى بالنسبة إليهم خيار مثالي. 

 

مقالات ذات صلة : قضية فساد تروى لكم بتفاصيلها

guest

0 Comments
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
Send this to a friend