جرى الحديث سابقًا في عدة تدوينات عن مؤسسات المجتمع المدني، أهميتها وشروط تكوينها، ومن ذلك جمعيات حماية المستهلك، والتي رغم أن واقعها لدينا لا يعبر عن كونها إحدى مؤسسات المجتمع المدني المستقلة إلا أننا هنا نوضح طبيعة أدوار ومهام تلك الجمعيات في مجتمعات تتوفر فيها بيئات صحية لتكون مثل هذه النشاطات وممارسة أدوارها بفاعلية.
فكثير من التعليقات والآراء حول الجمعية لدينا في السعودية تقدم مؤشرات عدم فهم طبيعة وأدوار تلك الجمعيات، وعدم فهم الفرق بينها وبين إدارات حماية المستهلك في الوزارات الحكومية؛ لذا ثمة اعتقاد أنها تمارس سلطة توازي سلطة الجهات الحكومية بينما حقيقة دورها تمثيل المواطن في مقابل تلك الجهات، ولدينا بطبيعة الحال لا يمكن للجمعية أن تقوم بأي دور فاعل في هذا الصدد كونها غير مستقلة، وخاضعة للجهات الرسمية وتدخلاتها.
ومن أبرز أدوار جمعيات حماية المستهلك (الفاعلة) وليست الصورية كما لدينا ما يلي:
– نشر الوعي في المجتمع فيما يتعلق بالتمييز بين السلع، وفهم معايير الجودة لا سيما المرتبطة بالصحة والسلامة.
– الاهتمام بما يتم من دراسات واختبارات على المواد الغذائية، وتنبيه المجتمع بالآثار الصحية السلبية بسبب بعض مكوناتها، وذكر اسم المنتج في إطار نشر معلومات وحقائق وهذا مما لا يُعَد تشهيرًا.
– المساهمة في أعمال الرقابة التجارية، والرقابة على أداء الأجهزة الحكومية المعنية، والسعي لمحاسبة المسؤولين المقصرين في واجبات حماية المستهلك أو يتدخلون لصالح التجار ضد حقوق المواطنين، والإدانة العلنية لتقصيرهم، وتمثيل المواطنين أمام القضاء من خلال مستشارين قانونيين لمقاضاة هؤلاء المسؤولين.
– تمثيل المواطنين في المفاوضات مع أجهزة الدولة لتعديل أنظمة قائمة، أو صياغة أخرى جديدة بما يكفل حماية حقوق المستهلكين.
– مراجعة صيغ العقود بين مختلف المؤسسات التجارية والمالية والمواطنين، والسعي إلى تعديلها بما يضمن حماية حقوق الطرفين، ووضوح الصيغ والعبارات وما يترتب عليها.
– تقديم الاستشارة والدعم القانونِيَّيْن للمستهلكين في حال رفع قضايا ضد التجار.
– تنظيم المقاطعات لبعض السلع أو التجار، وإرشاد المستهلكين للسلع البديلة.
– تنظيم رفع قضايا جماعية للمستهلكين ضد أي جهة تجارية تسببت في أضرار للمستهلكين.
هكذا نجد أن تحقيق ذلك كله أو أقل منه يكون من خلال جمعية لا تقوم بأدوار الأجهزة الحكومية ولا تابعة لها، بل تكون مقابلًا لها من جهة، ومكملة لأدوارها من جهة أخرى، وهذا لا يتحقق إلا من خلال جمعية حماية مستهلك تمثل أحد مكونات مؤسسات مجتمع مدني حقيقية ومستقلة، وهو متعذر تحقيقه تمامًا ليس فقط بسبب غياب أنظمة تضمن نشوء مؤسسات المجتمع المدني بإرادة حرة للمواطنين ومستقلة تمامًا، ولكن -والأهم- غياب ثقافة ووعي المجتمع وحتى -للأسف- بعض مثقفيه تجاه هذا النوع من المؤسسات وشروط تكوينها وعوامل نجاحها.