نيبال الدولة الواقعة في جنوب آسيا في منطقة جبال الهيمالايا التي تضم أعلى قمة في العالم “قمة إفرست” تبلغ مساحتها 147,516 كيلومتر ويبلغ عدد سكانها قرابة 30 مليون نسمة. كانت دولة ملكية لمدة 240 عاماً وبعد نزاعات وأعمال عنف تحولت إلى نظام برلماني: رئيس وزراء منتخب من البرلمان ورئيس جمهورية بصفة رمزية. (العام 2015)
لماذا انفجرت الأحداث في نيبال هذه الأيام؟ بدأت شرارتها عندما قررت الحكومة النيبالية في 04 سبتمبر من هذا العام حظر 26 منصة تواصل اجتماعي بحجة أنها لم تستجب إلى طلب الحكومة بالتسجيل لديها، وسوّغت الحكومة قراراها الحد من عمليات النصب والاحتيال واستخدام معرفات وهمية. شمل الحظر منصة أكس و فيسبوك و انستغرام و واتس أب ولينكدإ. ، وحدها منصة تيك توك لم يتم حضرها كونها قامت بالتسجيل لدى الحكومة.
أثار القرار قطاع واسع من الشباب تحديداً من يسمى بالجيل Z (تتراوح أعمارهم بين 18 و)25 عاماً لتبدأ شرارة الاحتجاجات صبيحة يوم 8 سبتمبر التي بدأت سلمية، وواجهتها الشرطة بخراطيم المياه، والقنابل المسيلة للدموع، والرصاص المطاطي، للتصاعد المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين فاستخدمت الشرطة الرصاص الحي مما تسبب في مقتل 19 شخص، وهو الأمر الذي أثار المحتجين أكثر، فتدفقت أعداد كبيرة للشوارع للانضمام إلى المتظاهرين رغم حظر التجول.
رُفِع لاحقاً الحظر عن كل منصات الشبكات الاجتماعية، واستقال رئيس الحكومة ووزير الداخلية، كما طُورِد كثير من الوزراء والمسؤولين الحكوميين، وأحرق منزل رئيس مجلس وزراء سابق، وتوفيت زوجته أثر ذلك، كم أُحْرِق منزل رئيس مجلس وزراء سابق آخر وزوجته وزيرة الخارجية حالياً، وتدخل الجيش بالمروحيات لأجلاء بعض الوزراء و المسؤولين، كما أشعل المحتجون النيران في عدد من المباني الحكومية منها مبنى البرلمان وجزء مجمع سينغا دوربار المجمع لعدد واسع من المباني الحكومية، وكذلك السيارات والحافلات كما تم طالت أعمال العنف وإشعال الحرائق بعض الفنادق منها هيلتون، وهو ما سوف يسهم إلى حد بعيد في تفاقم الآثار الاقتصادية، بسبب هذه الأحداث لا سيما السياحة أحد المداخيل الأساسية لنيبال.
وتعرضت بعض السجون لاقتحامات وهروب بعض المساجين منها. الوضع أصبح بالفعل فوضى عارمة، مع فراغ سياسي وأمني، وهو ما أدى إلى تدخل الجيش لحفظ الأمن.
ومن الجدير ذكره هنا أن حظر منصات الشبكات الاجتماعية لم تكن سوى الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات بعدم تراكمات من الاستياء الشعبي لاسيما فئات الشباب، فالوضع الاقتصادي صعب للغاية، وتجاوزت نسبة البطالة 20 % مع اتهامات واسعة للطبقة الحاكمة بالفساد والمحسوبيات وتهميش فئات واسعة من المجتمع لصالح أخرى.
فقد تشكل داخل المجتمع النيبالي طبقتين، الفقراء وهم يشكلون الأغلبية، وطبقة ثرية لا سيما المنتمين إلى الطبقة السياسة، وانتشرت مشاهد وصور الشباب والشابات من تلك الطبقة لا سيما في منصة تيك توك يستعرضون فيها سياراتهم الفخمة والسيارات الرياضية الفارهة، وكذلك الملابس ذات العلامات التجارية العالمية وحقائب اليد باهظة الثمن، بالإضافة إلى الرحلات الفاخرة وارتياد المنتجعات خارج البلاد وغيره من مظاهر البذخ التي يستعرضها رجال وسيدات هذا المجتمع لا سيما من الشباب. هذا الوضع زاد من استياء المجتمع فالفوارق الاجتماعية تتسع بين أقلية وأكثرية، ولم تقدم الحكومات السابقة أو الحالية أي حلول أو مبادرات لتقليص تلك الفجوة أو لا يجاد حلول اقتصادية مجدية للحد من الفقر والبطالة .
”وإذا كان الحديث عن حراك واحتجاجات الجيل Z فأنه يقابله ما اصطلح عليه nepo kids (nepotism kids) الأبناء المحظوظين أو أبناء المحسوبيات عادة تستخدم لوصف من يحصلون على مكانة أو شهرة أو تميز أو منصب بسبب مناصب أسرهم أو ثرواتهم، وهو يشبه بعض أسباب الاحتجاجات في بنغلاديش التي أدت إلى سقوط رئيسة مجلس الوزراء وفرارها إلى الهند (العام 2024).
آخر التطورات في نيبال تكليف رئيسة المحكمة العليا سابقا رئيسة للحكومة المؤقتة. وأدت سوشيلا كركي البالغة من العمر 73 عاما القسم يوم الجمعة 12 سبتمبر. تحظى تلك السيدة بقبول شعبي عام كونها مستقلة، ويعول عليها الشباب أن تبدأ مرحلة الإصلاحات ومكافحة الفساد.
