نشرت بتاريخ 24 اكتوبر 2013
قد يبدو أن المسؤولين راغبين في استمرار عدم حسم القضية بهدف إشغال المجتمع عن قضايا أخرى لا ترغب في كثرة تطرقه إليها، ولكن لا يجوز في المقابل الحديث عن أولويات في تلك المسائل، فقيادة المرأة حق، ومن حق أي شخص أن يطالب بهذا الحق سواء رجلًا أم امرأة، ولا يجوز ممارسة مزايدات على الآخرين بسبب مواقفهم تجاه قضايا أخرى, من حق أي امرأة أو رجل أن ينشط في مطالبه في هذا الشأن، ومن حق الآخرين أن يكونوا فاعلين في إثارة قضايا أخرى تثير اهتمامهم أكثر بدلًا من فرض وصاية في تحديد ما يسمونه أولويات..
بعضهم لا يتحدث قليلًا ولا كثيرًا عن قضايا المرأة، ولكن عندما يبدأ الحديث عن القيادة يبدأ النواح على بعض قضاياها الأخرى، بينما هو لا يمل ولا يكل في مقاومة حقها في القيادة، وفي الوقت نفسه يتجاهل القضايا الأخرى التي تَاجَرَ بها لأجل مقاومة حق المرأة في القيادة.
بدلًا من تكرار نفس الأسطوانة المشروخة حول قضايا المرأة المختلفة والفقر والبطالة وحقوق الرجال والنساء كأسلوب متهافت لمواجهة حق المرأة في القيادة تعلموا أن تصبحوا أشخاصا بنَّائين وفاعلين ومفيدين، واعملوا على الدعوة لأية قضية أخرى ترون أولويتها، قوموا بحملاتكم للقضايا الأخرى التي تؤمنون بها وترونها أولوية؛ فمن المعيب أن لا تفعلوا شيئًا مفيدًا والانشغال بالتصدي لجهود الآخرين..
موقف الشريعة من قيادة المرأة للسيارة
لا شك أنه لا يوجد في الدين ما يحرم قيادة المرأة للسيارة، وإلا لكان رسول الله أَغْيَرَ وأحْرَصَ على نساء المسلمين، ولَحَرَّمَ استخدامهن للخيل ونحوها من وسائل المواصلات، ولا يمكن أن يكون بعض علماء السعودية أكثر علمًا من كافة علماء الأرض قاطبة..
ورَفْضُ بعضِ رجال الشريعة لقيادة المرأة للسيارة وتشددهُم في ذلك وتَحَوُّلُها لدى بعض الدعاة إلى واحدة من أهم معاركهم في الحياة يبدو أنها أصبحت بالنسبة لبعضهم تحديًا ومكابرة أكثر من كونها إنكارًا لما يرونه محرمًا.
وفئة أخرى من هؤلاء لربما ينطلقون من منطلق ابن تيمية الازدرائي تجاه المرأة (كما أشار رائد السمهوري في كتابه نقد السلفية أو ما يمتلئ به تراث الفكر الديني من (شرعنة تحقير المرأة) .
أما ما أفتى به علماء أجلاء حول هذه المسألة ذهبوا فيه إلى التحريم؛ فمعلوم أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان وتَبَدُّلِ الظروف والأحوال؛ لذا كان الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- يَنْهَى عن تدوين فقهه حتى لا يُلْزِمَ به آخرين يختلف لديهم ظروف المكان أو الزمان الذي صدرت فيها الفتوى، ونفس الموقف اتخذه الإمام مالك عندما لم يوافق المنصورَ على نشر كتابه الموطأ بين الأمصار، ورفض حَمْلَ الناس عليه؛ لذا فإن آراء هؤلاء العلماء الأجلاء اجتهادات تصيب وتخطئ، وليس من الشرع إكراه الناس عليها..
تكريم المرأة أم إذلالها؟!
إحدى الفتيات العاملات تتعرض باستمرار للابتزاز من أخيها من الأم الذي يقوم بإيصالها إلى عملها؛ كون والدتها ترفض استخدامها سيارة أجرة لوحدها، فأجبرها على شراء سيارة جديدة وتسبب في حادث أتلفها، فأجبرت مرة أخرى على شراء سيارة جديدة إضافة إلى أنها تنفق عليه، و على أخيها الآخر اللذَيْنِ يعيشان عالة عليها. فهل هذا من تكريم المرأة؟
كثير من النساء يتعرضن لإذلال أقاربهن الذكور فيما يحتجنه من بعض قضاء حوائجهن؛ -لا سيما الضرورية منها– أو يتعرضن لمضايقاتِ وتَحَكُّمِ السائق الأجنبي، أو يُجْبَرْنَ على ركوب سيارات الأجرة التي أغلبها تفوح بالروائح الكريهة والمقاعد القذرة مع سائق ربما يتعاطى المخدرات أو غيرها من السموم. فهل بعد كل هذا الإذلال والإهانة للمرأة تتحدثون عن تكريمها؟
خيار وليس إجبارًا
ببساطة شديدة حسم الملك فيصل مسألة رفض تعليم الفتاة، مَنْ شاء فليرسل ابنته للمدرسة ومن شاء فليمتنع..
نفس الأمر وبنفس البساطة في مسألة قيادة المرأة للسيارة؛ مَنْ تُرِدْ أن تقود فلتفعل، ومن لا تُرِْد فلا تفعل، ولكن من الأمور العجيبة لدينا ورغم كل تطور العالم حولنا لا زال جزء من المجتمع -دعاة وأشخاصًا عاديين، رجالًا ونساء– يصرون على ممارسة الوصاية على الآخرين، وكأن قيادة أي امرأة لا صلة لهم بها قضية شخصية تعني أحدهم؛ فالدعوة لقيادة المرأة لا تعني جر جميع النساء لإرغامهن على قيادة السيارة..
ربما يمكننا محاولة فهم طبيعة الفكر الوصائي لدى بعض الدعاة، وأثر المجتمع الذكوري لدى بعض الذكور، ولكن لماذا بعض النساء تقاتل ضد حق قيادة المرأة للسيارة وكأنه سوف يتم الاعتداء عليها؟! ربما لأنها تعلم أنها لن تقود بسبب أب أو أخ أو زوج يمنعها، أو لأنها تعتقد بعدم قدرتها وأهليتها للقيادة فأصابتها الغيرة من هذا النقص لديها تجاه الأخريات؟! وإلا لماذا تعتقد أنه يجب عليها أن تقف ضد قرار امرأة بالغة عاقلة ومع هذا يدعمها والدها أو زوجها؟
قيادة المرأة للسيارة والسلبيات
من الأمور البارزة في تفكير العقل السعودي عند أي حديث عن قضية أو أمر جديد ينتقل التفكير فورًا إلى السلبيات فقط وربما في أحيان كثيرة يرافقها تهويل وتعميم..
هناك أمران لا ينفكان في حياة البشر (التغير) و (سلبياته) ولو أن كل مرة تَوَقَّفَ وتَعَطَّلَ تَغَيُّرٌ وتَبَدُّلٌ في حياة البشر بسبب سلبياتٍ مرافقةٍ لَمَا حدث التطور في حياة البشر..
الحل للسلبيات المحتملة والممكنة لكل موضوع هو في إيجاد الحلول لها؛ فالتقصير في التخطيط للمدن والطرق لا يجب أن يدفع ثمنه المرأة، بل يجب أن يكون دافعًا لتحسين ذلك، وتَعرُّض المرأة لمضايقات أو مخاطر بسبب قيادتها يجب معالجته من خلال قيام أجهزة الدولة بحماية المرأة من خلال وضع قوانين تحميها من التحرش، بما في ذلك قضاءٌ مقننةٌ أحكامه، ويجب مناقشة لماذا فشل الخطاب الديني في المسجد والإعلام والمدرسة والمخيمات الدعوية في تهذيب سلوك السعوديين إلى درجة الخوف من مخاطر قيادة المرأة للسيارة وهو أمر لم يحدث في بلدان أخرى..
ماذا لو بَنْشَرَ الكَفَرْ أو تعطلت السيارة؟!….!
يتحدث معي أحد الأصدقاء عندما تعطلت سيارة زوجته التي يقودها سائقها استقلت سيارة أجرة، واتصلت بشاحنة نقل السيارات (سطحة)، ثم قامت بالتنسيق مع الورشة حول طبيعة الخلل، وأعطت الموافقة على التكاليف كل هذا وزوجها المسافر لا يعلم أي شيء.
بَنْشَرَ كَفَرُ سيارة أو تعطلها ليست كارثة ولا نهاية الدنيا، كما يحاول أن يصور البعض أو يتوهم البعض الآخر..
والمرأة التي سوف تقود سيارتها يجب أن تكون قادرة -قبل ذلك- على تدبر أمورها في مثل تلك الحالات قبل أن تقود السيارة، وكثير من النساء يسافرن لوحدهن ويتدبرن أمورهن بأنفسهن، بينما بعض الرجال إذا قرر السفر كأنه سوف يغزو العالم فهؤلاء الرجال الذين لديهم نقص في القدرة على تدبير الأمور لا يجوز قياس أنفسهم بنساء أكثر منه قدرة على تدبير الأمور، والمرأة الاتكالية التي لم تعتد أن تتدبر أبسط أمورها بنفسها لا تظن أن جميع النساء مثلها.
قيادة 26 أكتوبر 2013 والفوضى!!
استغل البعض القضية لأجل المزايدة على وطنية الآخرين، تقرأ العنوان عن قيادة المرأة للسيارة، فتقرأ المقال فترى العجب العجاب: إثارة البلبلة والانقسام، فوضى وقتل !!
الأمر وما فيه أن الدولة -وعبْر أكثر من واحد من مسؤوليها- أكدوا بشكل واضح لا لبس فيه أنه لا يوجد في النظام ما يمنع المرأة من القيادة، وأنه خيار وقرار المجتمع؛ لذا قرر المعنيات بالأمر من هذا المجتمع قيادة سياراتهن ابتداء من 26 أكتوبر، وقبل هذا التاريخ للتعبير عن رغبتهن في حق القيادة وقضاء حوائجهن بأنفسهن، مجموعة نساء سعوديات سوف يقدن السيارة فقط لن يحملن أسلحة ولن يقمن باقتحام مقرات الجيش والحرس الوطني ومقر الديوان الملكي حتى يتم التهويل بهذه الطريقة، ولو تم إيقافهن من أجهزة الدولة فسوف يتوقفن بلا مقاومة..
أدعياء الليبرالية
أزعج الكون بالحديث عن قيادة المرأة للسيارة فقط بقصد النقد الديني لا أقل ولا أكثر، وربط مسألة منع المرأة من قيادة السيارة بالدين وأهل الدين بهدف الإمعان في نقدهم والنيل منهم بسبب كرههم للدين نفسه وليس اختلافًا مع الفكر الديني أو بعض المتشددين.
بعض أدعياء الليبرالية في السعودية ضد حق التظاهر في البحرين، ومع الانقلاب العسكري في مصر، وضد الإصلاحيين في السعودية، ويدْعَمُون الاعتقالات التعسفية ويدافعون عنها، وأخيرا يعتبرون حق المرأة في قيادة السيارة في 26 أكتوبر وكأنه جريمة! لنفترض أن خروج النساء لقيادة السيارة هو نوع من التظاهر فكيف تَدَّعِي الليبرالية ويظل بعض آخرين يردد أنك ليبرالي، بينما أنت تَكْفُر بكافة حقوق الإنسان بما في ذلك حق التظاهر السلمي؟! مع أن الدعوة للقيادة 26 أكتوبر ممارسة حق وليست مظاهرة أو تجمعًا.
موقف (أعداء الإسلام)
عندما يتحدث البعض عن أشخاص غربيين يدعمون حق المرأة السعودية في قيادة السيارة يحتفلون بذلك بطريقة غاية في سذاجة المنطق والتفكير إنْ وُجِدَ لديهم منطق أو تفكير، يرددون: “انظروا من يقف إلى جانب قيادة المرأة السيارة”، ” هذا دليل على بطلان الدعوة”، “هذا دليل على أنها مؤامرة غربية”.
هل يجوز إذًا القول ببطلان الرسالة المحمدية لأن أبا طالب عم الرسول عليه الصلاة والسلام كان يدافع عن نبينا الكريم وهو مشرك؟!، والقول ببطلان قضية تحرير الكويت وحماية الحدود السعودية لأن مَنْ فعل ذلك أعداء الإسلام؟!، والقول ببطلان قضية مسلمي البوسنة والهرسك لأن الذي أنقذ ما يمكن إنقاذه من قتل وجرائم اغتصاب هو الغرب الكافر؟، وأخيرا لم نسمع أحدًا يقول ببطلان الجهاد في أفغانستان عندما كان يدعمهم أعداء الإسلام!
موقف الدولة
ردد بعض المسؤولين أن قضية قيادة المرأة قرار يتخذه المجتمع!، وعندما قادت منال الشريف تم توقيفها قرابة 9 أيام، وهو موقف حكومي رسمي لا صلة للمجتمع به، بل قطاع كبير من المجتمع وقف إلى جانبها خلال توقيفها.
اليوم جزء كبير جدًّا من المجتمع يؤيد ويساند حق المرأة في قيادة السيارة. فهل تتخلى الدولة عن موقفها المتشدد في منع المرأة من هذا الحق؟!
الحقيقة أن قيادة المرأة للسيارة بيد الدولة وحدها، فكثير من القرارات اتخذتها الدولة رغم معارضة الديني المتشدد وأرضخته لقراراتها عندما أرادت ذلك، وبمقدورها أن تفعل لو أرادت إقفال هذه القضية.
وتطل تساؤلات حول التناقض والغموض في الموقف الرسمي؛ فوزارة العدل وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكدان لا يوجد في النظام ما يمنع قيادة المرأة للسيارة، ووزارة الداخلية تتهدد وتتوعد!.
المرأة المعيلة وقيادة السيارة
تقول لي إحدى قريباتي: أول مرة بدأ يتغير فيه موقفي من قيادة المرأة للسيارة عندما التقيت سيدة بلا رجل معيل، بل هي من تعيل نفسها وبناتها، وقد أغنت نفسَها عن الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي والتسول بما لا يستطيع فعله بعض الرجال، فجعلت واحدةً من غرف شقتها مستودعًا لبضائع عبارة عن ملابس نسائية، في كل مرة تجلب بضاعة جديدة تقوم بتسويقها، ومن هذا العمل تدفع إيجار شقتها وتنفق على نفسها وبناتها، واشترت سيارة يستخدمنها في تنقلاتهن وكذلك نقل البضاعة، تقول السيدة المشكلة إن السائق أصبح يشاركني جزءًا من تجارتي، فأنا أدفع رسوم الفيزا والاستقدام، وعدا مرتبه أدفع كذلك ثمن إيجار الغرفة التي يسكنها قريبًا من الشقة، وعند مغادرته العمل فجأة، أنشغل عن تجارتي الصغيرة بالتبليغ والبدء من جديد في إجراءات استقدام سائق آخر وتكاليف أخرى مضاعفة لدفع راتب سائق مؤقت، تتساءل تلك المرأة بمرارة لماذا أُجْبَر على دفع كل تلك الأموال وأتعرض لكل تلك المشاكل والصعوبات مع السائقين، وأحيانا سائق يتحكم فينا وأنا قادرة على قيادة سيارتي بنفسي؟
ونحن نقول إذا كانت الدولة تصر على موقفها في حرمان النساء من حق قيادة السيارة، فلماذا لا تتكفل الدولة إذًا بدفع كافة تكاليف ورواتب سائقي هذه الفئة بالذات من النساء؟
وكذلك صرف بدلات نقل أعلى للسيدات العاملات في القطاعين الخاص والعام تكفي لتغطية تكاليف السائقين أو سيارات الأجرة، فكثير من النساء تخلين عن فرص العمل لأن جُلَّ الراتب سوف يذهب للسائق أو سيارات الأجرة، فظلم المرأة في حرمانها من حق قيادة السيارة جَرَّ عليها مظالم أخرى بزعم أن هذه رغبة المجتمع تارة، أو أن هذا التزام بشريعة الله ومنهج رسوله!.
قيادة المرأة في 6 نوفمبر 1900
يجب أن نتذكر دومًا أن بدايات الجدل والحراك في القضية بدأها سيدات 6 نوفمبر، وقدمن جراء تضحيات ودفعن ثمنًا لذلك.
لمزيد معلومات :
مسيرة 6 نوفمبر رسالة وليست مظاهرة ..إهداء إلى كل نساء الوطن
من الأحداث الملفتة والتي قَلَّمَا يتحدث عنها أحد هو التجمع الكبير الذي حصل مساء أحد الأيام التالية لمظاهرة السيارات عام 1990، وكنت قد شاهدت التجمع بالصدفة خلال مروري بدار الإفتاء بمدينة الرياض، وقد دفعني الفضول لإيقاف سيارتي في موقع بعيد بعض الشيء بسبب كثرة السيارات المتوقفة وعلمتُ وقتها أن التجمع بسبب اجتماع الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- بمجموعة من أعضاء اللجنة الدائمة، وكان هدف التجمع للضغط على العلماء لاتخاذ موقف متشدد تجاه مظاهرة السيارات، لن أنسى وجوه البعض فقد كانت في غاية الغضب، وكان البعض ترتفع أصواتهم أمام مدخل المبنى الذي وقف فيه بعضَ الوقت الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله- مكررًا طلبه من الجموع المغادَرَةَ.