في كل المجتمعات تتعالى المطالب باستقلالية مؤسسات المجتمع المدني، وعدم تدخل الدولة في أي من انشطتها أو اختيار أعضائها، ويرتفع صوت هذا النوع من المطالب سواء من أعضاء تلك المؤسسات أو المثقفين والأكاديميين، أو المواطنين العاديين في المجتمعات الأكثر وعيًا بمفهوم مؤسسات المجتمع المدني وأهميتها وشروط تكوينها الأساسية والتي من أهمهما الاستقلالية.
لدينا العكس تمامًا، فترتفع أصوات المطالبين في شبكات التواصل الاجتماعي وبعض المقالات الصحفية لأجل تدخُّل وزير التجارة في شؤون جمعية حماية المستهلك، غير مدركين أو متجاهلين أن أي تدخل حكومي ينفي عنها الاستقلالية وبالتالي يقلل من فاعليتها، مع انها ولدت اصلاً ميتة وهي تفتقد لتلك الاستقلالية، وفي تدوينات سابقة أكدَتْ أنها سوف تكون عاجزة عن القيام بأدوار فاعلة كما تفعل مؤسسات مجتمع مدني حقيقية منتشرة في أنحاء العالم.
هذا النوع من المطالب يعكس للأسف الشديد مستوى غياب الوعي بماهية مؤسسات المجتمع المدني وشروط تكوينها، وكذلك غياب فهم للأدوار المطلوبة من الجمعية، فنجد بعضَهم يعتقد أن الجمعية تقوم بأدوار الضبط والتحقيق وخلافه في قضايا الغش التجاري.
المنزعجون من وضع وواقع الجمعية ثِقُوا تمامًا أنه لن يحل مشاكلها أو معالجة عجزها عن القيام بأدوارها وزيرٌ أو أيُّ مسؤول حكومي، ومؤسسات المجتمع المدني -ومنها جمعيات حماية المستهلك- وُجِدَت أساسًا لسد أوجه القصور أو الفساد في الأجهزة الحكومية وهي تمثل المواطن في التعامل مع المؤسسات الرسمية ومع التجار، وهذا الدور لا يتحقق إلا بتوفر أهم شروط تكوينها، وهو الاستقلالية ابتداءً من حق المواطنين في إنشاء وإشهار جمعيات متعددة بدون وضعها في مواجهة تعقيدات موافقات الأجهزة الحكومية لأن هذا حق أصيل للمواطن، ثم مزاولة كافة مهامها باستقلالية كاملة.
لذا لا يعالج الوضع سوى مَطَالب بالسماح بحق تكوين مؤسسات مجتمع مدني حقيقية، تكون قادرة على تمثيل المواطن باستقلالية تامة، وممارسة كافة أدوارها بمعزل عن أي تدخل من الأجهزة الحكومية.