مدونة عبدالرحمن الكنهل

Search

التأمين الطبي للمتقاعدين بين الحقوق المسلوبة والتمييز ‏السلبي

في مقال سابق تحدثت عن التمييز في مستوى الرعاية الطبية من خلال ‏التمييز في شبكة مزودي الخدمة للموظفين داخل المنشأة نفسها.‏


‏ في هذا المقال نتحدث عن أوضاع التأمين الطبي للمتقاعدين، عندما يُلْغَى التأمين الطبي للوالدين أو التأمين الطبي للمتقاعد وأسرته، وكأن ‏لسان حال متخذي القرار يقول: أنه انتفت الحاجة إليهم في العمل، فلا ‏يستحقون اليوم أن ندفع لأجلهم ولأسرهم قيمة التأمين الطبي، ويتم كل ‏هذا بغض النظر عن ما قدموه من خدمات، وربما تضحيات قبل تقاعدهم ‏وما حققوه من إنجازات، وربما بعضهم عمل في مجالات مليئة بالضغوط، ‏أو التعرض لمختلف ظروف الأجواء شديدة الحرارة أو شديدة البرودة لمن ‏كان عمله ميدانياً، وبدون النظر كذلك إلى أن بعضهم كان يعمل في ظل ‏ظروف معرض فيها للأخطار.‏


والأمر ذاته عندما تُضَيَّق التغطية التأمينية بخفض الحد الأعلى ‏للتغطية أو خفض مستوى شبكة مزودي الخدمة وزيادة نسبة تحميل ‏المتقاعد دفع قيمة بعض الخدمات، الذي يعاني أساساً من انخفاض دخله ‏بعد التقاعد، وفي تجاهل تام لسنوات طويلة من عمره قضاها في خدمة تلك ‏المنشأة، ورغم ما حمله من ولاء وظيفي يستحق التكريم بعد تقاعده، وليس ‏معاملته بمثل هذه الطريقة وحرمانه من كل أو جزء من حقه وأفراد أسرته ‏في التأمين الطبي.‏


هذه الممارسات لدى بعض المنشآت تجاه المتقاعدين يمتد أثرها إلى ‏الموظفين الذين ما زالوا على رأس فبسبب ترسيخ صورة ذهنية سوداوية ‏للموظفين تجاه الوفاء لهم بعد التقاعد مقابل ما يقدمونه من خدمات وتفان ‏في العمل قد يؤثر في ولائهم الوظيفي، والحد من العطاء والتفاني وزيادة ‏الضغوط عليهم؛ بسبب قلق ومخاوف ما بعد التقاعد.‏


لقد سبق وفي مقال سابق تحدثت عن الآثار السلبية في خلق طبقات ‏مجتمعية في التعليم الجامعي، فالأمر ذاته ينطبق على التفاوت الطبقي في التأمين ‏الطبي لأشخاص انتموا إلى العمل في المنشأة نفسها التي تقاعدوا منها، وبذلوا ‏سنوات طويلة في العمل، وتحمل كافة ضغوطه ليجدوا أنفسهم فجأة في ‏مستوى أقل في الرعاية الصحية؛ بسبب خفض أو إلغاء التأمين الطبي.‏

وثمة تساؤل: كيف يمكن لبعض تلك المنشآت أن تفاخر بالتزامها ‏بمسؤوليتها الاجتماعية، وهي تتجاهل حقوق من كانوا سببًا في ازدهارها ‏وتطويرها؟ بل قد يكون بعض المسؤولين التنفيذيين ومتخذي القرار فيما ‏يتعلق بالمساس بحقوق المتقاعدين في التأمين الطبي أقل عطاء للمنشأة، بل ‏وربما هم المتسببون في انخفاض أرباحها أو استمرار خسائرها.‏


تحتاج العديد من المنشآت والشركات والبنوك إلى أنسنة فكرها الإداري ‏وتبني سياساتٍ تُحافظ على كرامة المتقاعدين، وتقدير السنوات التي ‏قضوها في خدمتها والتعامل معهم كونهم شركاء في مختلف مراحلها، لا ‏أرقامًا في سجلات الموارد البشرية. ولا مجرد آلات انتهى عمرها ‏الافتراضي، فيُتَخَلَّص منها، والتقاعد ليس نهاية العطاء، ويجب ألا ‏يكون بدايةَ التهميش.‏

guest

0 Comments
Newest
Oldest
Inline Feedbacks
View all comments
Send this to a friend