التأمين الطبي للمتقاعدين بين الحقوق المسلوبة والتمييز السلبي
في مقال سابق تحدثت عن التمييز في مستوى الرعاية الطبية من خلال التمييز في شبكة مزودي الخدمة للموظفين داخل المنشأة نفسها.
في هذا المقال نتحدث عن أوضاع التأمين الطبي للمتقاعدين، عندما يُلْغَى التأمين الطبي للوالدين أو التأمين الطبي للمتقاعد وأسرته، وكأن لسان حال متخذي القرار يقول: أنه انتفت الحاجة إليهم في العمل، فلا يستحقون اليوم أن ندفع لأجلهم ولأسرهم قيمة التأمين الطبي، ويتم كل هذا بغض النظر عن ما قدموه من خدمات، وربما تضحيات قبل تقاعدهم وما حققوه من إنجازات، وربما بعضهم عمل في مجالات مليئة بالضغوط، أو التعرض لمختلف ظروف الأجواء شديدة الحرارة أو شديدة البرودة لمن كان عمله ميدانياً، وبدون النظر كذلك إلى أن بعضهم كان يعمل في ظل ظروف معرض فيها للأخطار.
والأمر ذاته عندما تُضَيَّق التغطية التأمينية بخفض الحد الأعلى للتغطية أو خفض مستوى شبكة مزودي الخدمة وزيادة نسبة تحميل المتقاعد دفع قيمة بعض الخدمات، الذي يعاني أساساً من انخفاض دخله بعد التقاعد، وفي تجاهل تام لسنوات طويلة من عمره قضاها في خدمة تلك المنشأة، ورغم ما حمله من ولاء وظيفي يستحق التكريم بعد تقاعده، وليس معاملته بمثل هذه الطريقة وحرمانه من كل أو جزء من حقه وأفراد أسرته في التأمين الطبي.
هذه الممارسات لدى بعض المنشآت تجاه المتقاعدين يمتد أثرها إلى الموظفين الذين ما زالوا على رأس فبسبب ترسيخ صورة ذهنية سوداوية للموظفين تجاه الوفاء لهم بعد التقاعد مقابل ما يقدمونه من خدمات وتفان في العمل قد يؤثر في ولائهم الوظيفي، والحد من العطاء والتفاني وزيادة الضغوط عليهم؛ بسبب قلق ومخاوف ما بعد التقاعد.
لقد سبق وفي مقال سابق تحدثت عن الآثار السلبية في خلق طبقات مجتمعية في التعليم الجامعي، فالأمر ذاته ينطبق على التفاوت الطبقي في التأمين الطبي لأشخاص انتموا إلى العمل في المنشأة نفسها التي تقاعدوا منها، وبذلوا سنوات طويلة في العمل، وتحمل كافة ضغوطه ليجدوا أنفسهم فجأة في مستوى أقل في الرعاية الصحية؛ بسبب خفض أو إلغاء التأمين الطبي.
وثمة تساؤل: كيف يمكن لبعض تلك المنشآت أن تفاخر بالتزامها بمسؤوليتها الاجتماعية، وهي تتجاهل حقوق من كانوا سببًا في ازدهارها وتطويرها؟ بل قد يكون بعض المسؤولين التنفيذيين ومتخذي القرار فيما يتعلق بالمساس بحقوق المتقاعدين في التأمين الطبي أقل عطاء للمنشأة، بل وربما هم المتسببون في انخفاض أرباحها أو استمرار خسائرها.
تحتاج العديد من المنشآت والشركات والبنوك إلى أنسنة فكرها الإداري وتبني سياساتٍ تُحافظ على كرامة المتقاعدين، وتقدير السنوات التي قضوها في خدمتها والتعامل معهم كونهم شركاء في مختلف مراحلها، لا أرقامًا في سجلات الموارد البشرية. ولا مجرد آلات انتهى عمرها الافتراضي، فيُتَخَلَّص منها، والتقاعد ليس نهاية العطاء، ويجب ألا يكون بدايةَ التهميش.